عن الكتابة، ويوميات عامل صيانة منزلية في السويد!

قبل سنوات، اكتشفت مدونة رجل سويدي (51 عاماً)، يعمل في الصيانة المنزلية، بحيث يزور كل صباح منزل عائلة حجزوا موعداً معه لإصلاح شيء ما في المنزل. بعد نهاية الدوام، يعود إلى منزله أو البار، ويكتب تدوينة قصيرة عن زيارته المنزلية ذلك اليوم، وعن الحديث الذي جرى بينه وبين أصحاب المنزل، يلتقط جزءاً من الحوار، أو شيئاً ما رآه، ويدون نصاً قصيراً (أقل من 300 كلمة في العادة) عن ذلك.

لا يوجد في العادة شيء لافت، ولكن في كثير من الأحيان يكتب تدوينة بديعة عندما ينحو حوارهم معه إلى منحى إنساني وشخصي، يفضفض بعضهم معه حول الحياة؛ يتحدثون مثلاً عن ابنهم الذي لم يزرهم من فترة طويلة، أو قصة شراء صاحب المنزل لسيارته، وكثيراً ما يتحدثون معه عن حياتهم ما بعد التقاعد، إلخ… يقوم في تدوينته بتوثيق ملخص لما جرى مع الحفاظ على الخصوصية، ويضيف انطباعاته التي تولّدت، أو أفكار خطرت في باله.

لاحظت أنه توقف عن النشر أسبوعين، راسلته مستفسراً ومتمنياً أنه بخير، وقلت له إنني قارئ نهم من السعودية، تفاجئ وشكرني، وذكر لي أنه قرر الاكتفاء بالنشر بلغته السويدية في مدونة أخرى، وسيتوقف عن النشر بالإنجليزية. شكرته، وذكرت له أنني من المؤيدين بأن يدون المرء بلغته الأم، ويكتب بلغة أخرى فقط إذا لديه أهداف واضحة خلف ذلك، مثل تقوية اللغة أو النشر العالمي في مجال تخصصه.

هذا النوع من الكتابة الذاتية سيصمد في عصر الذكاء الاصطناعي، وبظني سيكون الأكثر رواجاً بين أنواع المحتوى، فالتجارب الشخصية والإنسانية، واليوميات وتوثيق الانطباعات والمشاعر، هي ما يعطي النصوص روحاً تلامس أرواح الآخرين.

أعتقد أننا نعيش في العالم العربي فترة تاريخية وفريدة، حياة ساخنة وثرية بالأحداث، مما يسمح لنا بتوليد وتوثيق يوميات ومواقف وانطباعات ومشاركتها على شكل نصوص قصيرة.
ومهما كنت تعتقد أن حياتك مملّة، وليس فيها ما يستحق التدوين، فصدقني أنت أفضل حالاً بمراحل من عامل صيانة منزلية في أقصى السويد، لفتت يوميات حياته انتباه شخص في السعودية وتابعه بشغف!